Tuesday, September 25, 2007

تاراباتاتي...تاتو....تاتي

عند تقاطع شارعين من أكبر الشوارع في مدينتي وعلى ناصيتها التي لا ينقطع زحامها ليلاً أو نهاراً توقف سائق الميكروباص احتراماً – في حالة نادرة – لإشارة المرور الحمراء .
بجوار عامود الإشارة وقف رجل بدا من ملابسه و ملامحه أنه غاية في الإحترام لذلك لفت انتباه جميع المتوقفين بالإشارة عندما رفع ذراعه مصاحبة لصوته يخاطبنا بلهجة حاسمة ومحذرة : " البلد هتروح في داهية ، الفساد في كل حاجه وف كل حتة ، من أول عسكري المرور ( وأشار لعسكري المرور الذي لم يكن منتبهاً له ) لغاية الراس الكبيرة في البلد ، الله يخرب بيوتهم ".
أصارحكم القول لقد فاجأني بما يقوله وبجرأته و شجاعته خصوصاً عندما أكمل :
" يقولولك مفيش بطالة وهم نفسهم عواطليه مابيعملوش حاجة ، يقولولك ارتفاع معدل النمو واحنا رجعنا أسوأ من أيام الملكية والهباب ، يقولولك ديمقراطية وكل اللي قال لهم لأ اختفى من على وش الدنيا ، حتى الكرامة يا عالم ، ولاد الكلب ذلونا وباعونا للي يسوى واللي مايسواش ...الله يخرب بيوتهم " .
كان ينتفض وهو يخطب في الجماهير التي بدا وقوفها هنا احتفاءً به وإصغاءاً له ، بدا الجميع منصتاً ومؤمناً بما يقول ، بايعته الجماهير وأعطته صوتها ليصيح به ولسانها لينطق به كان خطيبهم وإمامهم الذي يعبر عما يجيش بصدورهم وكلما صرخ الله يخرب بيوتهم قال الجميع في سره "آمين" .
كانت الإشارة قد بدأت في التلون باللون الأصفر عندما علا صوته متسائلاً وصارخاً فينا : " عارفين ده كله ليه ؟ عارفين ليه ؟ وأجاب بصوت أعلى وجسده كله يهتز: " علشان كلكم تاراباتاتي.. تاتو.. تاتي.. وأخذ يرقص على إيقاع صوته الهادر وإجابته الكاشفة .
انطلقت السيارة وتحرك ركب المتوقفين في الإشارة والجميع يبتسم ويضحك ويقهقه على هذا العبيط المغفل ولكنني على الرغم مني وجدتني أدمع دمعة على استحياء وأنا أردد في سري
" الله يخرب بيوتهم " .
صباحا وأنا أستمع إلى الراديو في مكتبي تذكرت مشهد الرجل الواقف بجوار عامود اشارة المرور عندما استمعت إلى تصريحات مسئولي حركتي فتح وحماس وتبريراتهم لما يحدث الآن داخل الأراضي الفلسطينية واتهام كل طرف منهما للآخر وتحميله مسئولية تدهور الأوضاع هناك . سألني زميلي في العمل عن سبب ما يحدث ، فضحكت وأخذت انقر على سطح مكتبي وأنا اجيبه مؤكدا عشان كلهم تاراباتاتي تاتو تاتي ... الله يخرب بيوتهم .